دخول
بحـث
Google 1+
زوار المنتدى
.: أنــت زائــرنــــا رقـــــم :.
الســــــــــــــــاعة
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 7 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 7 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 49 بتاريخ الأربعاء أكتوبر 23, 2024 7:16 am
مواضيع مماثلة
المواضيع الأخيرة
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
نبض الحياة | ||||
ود الرضي | ||||
عبد الماجد محجوب | ||||
ahmed sinaa | ||||
عثمان جكنون | ||||
simo | ||||
bisho sax | ||||
imane | ||||
training_2012 | ||||
مصطفى تتو |
الساعة الأن
مواصلة موضوعنا مطارحات حول قضيّة المرأة
مـنـتـديــــــــــات الـمهنـــدسيــــــن الـــتـقـنـيـــيـن :: الأقسام الأجتماعية :: منتدى النقاش الهادف
صفحة 1 من اصل 1
مواصلة موضوعنا مطارحات حول قضيّة المرأة
(2) المرأة، الأخلاق، الحبّ، الجنس، العائلة:
من الأفكار الشائعة في المجتمع أيضا، ليس في صفوف الذكور فحسب، بل كذلك في صفوف جانب من الوسط النسائي، هو أن النساء سبب الأزمة الأخلاقية التي تنخر مجتمعنا. وهذه الفكرة خاطئة بالطبع، لا لأنها تحمّل النساء مسؤولية التدهور الأخلاقي في المجتمع فحسب بل لأنها أيضا تختزل هذا التدهور في بعض المظاهر السلوكية المتعلقة بالجانب الجنسي في العلاقات بين النساء والرجال (البغاء...) أو ما يعبّر عنه بعاميتنا بكلمة "لِفـْسَادْ".
إن التدهور الأخلاقي والقيمي في مجتمعنا أمر موضوعي لا يمكن أن ينكره أحد، بل إن محاولة نكرانه أو طمسه كما يفعل نظام الحكم للتنصّل من المسؤولية أو كما يفعل بعض "التقدميين" خوفا من السقوط في "الأخلاقوية" أو من صبّ الماء كما يقولون في طاحونة التيارات السلفية التي تتخذ من تدهور الأخلاق والقيم ذريعة للدعوة إلى الرجوع بالمجتمع إلى الوراء، لن يجدي نفعا، باعتبار أن ذلك لن يوقف التدهور الأخلاقي ولا توظيف التيارات السلفية والأصولية له بل إنه لن يخدم في نهاية الأمر إلا هذه التيارات لما يحدثه التدهور الأخلاقي من فزع داخل الطبقات والفئات الشعبية وهي محقة في ذلك.
إن الموقف السليم يقضي بضرورة الإقرار بوجود أزمة أخلاقية وقيمية. ولكن هذا الإقرار لا يكفي إذ لا بد من تحديد مظاهر هذه الأزمة والوقوف عند أسبابها الحقيقية والبحث عن كيفية التصدي لها ومعالجتها معالجة متجهة نحو المستقبل ونحو الأفضل. وهنا لا بد من ملاحظة أن الأزمة الأخلاقية والقيمية في مجتمعنا هي أوسع وأشمل من أن تختزل في بعض المظاهر المتعلقة بالأخلاق الجنسية للنساء والرجال وما اعتراها من تسيب وتبضيع. كما أنها أعمق من أن يحمّل النساء مسؤوليتها أو أن يزعم أن حلها يكمن بكل بساطة في تشديد القمع على النساء والرجوع بهنّ إلى الوراء.
لقد تعرّض حزب العمال في إحدى وثائقه الأساسية المنشورة في السنوات الأخيرة بعنوان "من أجل بديل ديمقراطي و شعبي" إلى الأزمة الأخلاقية والقيمية التي تنخر مجتمعنا وأسبابها. فأشار إلى تفشي القيم الفردانية على حساب قيم التضامن والتآزر. وأرجع ذلك إلى المناخ الاقتصادي والاجتماعي السائد، مناخ الرأسمالية النيوليبرالية المتوحشة، التي جعلت من اللهث وراء الربح والمصلحة الخاصة الغاية القصوى في الحياة. وهو ما أدى إلى تحوّلٍ هام في العلاقات بين الناس إذ أصبح المال هو المعيار الذي يَحْكُمُ العلاقات ويُعَيَّرُ به الأفراد. وفي علاقة بذلك أصبحت مواصفات الشخص "الناجح في حياته" تكمن في مدى قدرته على التحيّل والنهب والسرقة والإرشاء والإرتشاء لتكديس المال ولم يعد العمل والعلم والكفاءة والتفاني في خدمة الغير والمجتمع المعيار القيمي الذي يستخدم للحكم على الأشخاص، بل أصبح يُنظر في العديد من الأوساط إلى الشخص الذي يحمل هذه القيم ويحافظ عليها على أنه "ساذج" وليس "ابن عصره" أي عصر الرأسمالية المتوحشة التي يناسبها أخلاقيا "إنسان متوحش" بمساحيق عصرانية وحداثية وهو ما يتجسد أحسن تجسيد في بورجوازي اليوم.
وأشارت الوثيقة من جهة أخرى إلى انتشار الغش والكذب والنفاق والوشاية وإلى تفشي البذاءة وتلوث لغة الشبان والكهول وحتى الصبيان أحيانا في المنزل ومركز العمل والشارع الذي غاب فيه الحياء. وتراجع السلوك المدني في العلاقة بين الناس ليغلب عليها غياب الاحترام والعنف. وامتدت الأزمة الأخلاقية إلى العائلة سواء في علاقة الزوجين ببعضهما بعضا أو في علاقة الأبناء والبنات بالوالدين إذ أصبح التوتر والتمرد والاستهزاء التي تغذيها الثقافة الرسمية السائدة (مسلسلات، منوعات، كليبات...) هي التي تحكم تلك العلاقات ولا يجد الآباء من رد على هذا السلوك سوى استعمال أساليب العنف والتسلط لـ"ردعهم". وعلى صعيد آخر تفشت أخلاق العبودية بما تعنيه من خنوع للحاكم وأصحاب الجاه ومذلة واستسلام وهي كلها نتاج لـ"ثقافة الرعية" التي ينتجها الاستبداد. ولكن كيف تنعكس هذه الأزمة على النساء وعلى علاقتهن بالرجال؟
إن تشيئة المرأة وتبضيعها هما إحدى أهم سمات الواقع الاجتماعي في تونس اليوم وتمثلان أفظع نتيجة لهذه التشيئة وهذا التبضيع ما يمكن تسميته بـ"سوق اللذة" التي ظهرت إلى جانب "الأسواق الأخرى" إذ أصبح جسد المرأة يباع ويشترى مما أدى إلى انتشار ظاهرة البغاء في كافة الأوساط. ومن نتائج ذلك أيضا التكالب على الجنس إذ أصبحت العلاقة بين المرأة والرجل يسيطر عليها الجانب الجنسي، بل إن العلاقات الجنسية ذاتها فقدت جانبا كبيرا من بعدها الروحي، النفسي العاطفي، الثقافي الإنساني ليسيطر عليها الجانب الغريزي، الحيواني. وبالطبع عززت هذا الاتجاه القنوات التلفزية البورنوغرافية التي تذلّ المرأة وتدمّر عقول الشباب وتخرّب نفسياتهم وتفقدهم الكثير من إنسانيتهم.
ولكن لا ينبغي الخلط في تناول هذه المسألة بين ما يندرج حقا في مجال التدهور الأخلاقي في العلاقة بين الجنسين وبين ما يندرج، خلافا لذلك، في مجال التطوّر الإيجابي، التقدمي للأخلاق الاجتماعية.
إن خروج النساء والفتيات إلى المدرسة والعمل واقتحامهن عديد الميادين واختلاطهن بالجنس الآخر، كل ذلك أدى إلى تحولات في شخصياتهن ونفسياتهن لا ينبغي النظر إليها كـ"علامات سلبية"، على غرار ما تروّج له التيارات السلفية والأصولية والرجعية عامة. فما اكتسبته المرأة مثلا من جرأة وقدرة على الدفاع عن ذاتها وحقوقها، ومن حرية في اختيار شريك حياتها أو الطلاق في حالة الفشل وربط علاقات عاطفية جديدة والجرأة على التعبير عن المشاعر والرغبات وعن الحق في علاقات عاطفية وجنسية متكافئة مع الشريك أو القرين والشعور بأن جسدها هو ملكها، ليس قابلا للبيع أو الشراء، أو أن لها كلمتها في إنجاب الأطفال بما في ذلك الحق في إيقاف الحمل لهذا السبب أو ذاك الذي يهمّ صحتها الجسدية أو النفسية أو غيرها من العوامل، وتمسكها بحقها في الشغل وفي كسب استقلاليتها المادية والمشاركة في إدارة شؤون العائلة وتقرير مصير الأطفال ورفض كافة مظاهر الإهانة من تعنيف ونيل من الكرامة وغير ذلك من الممارسات التمييزية، في كلمة تمسكها بالمساواة مع الرجل والكفاح من أجل ذلك، كل هذه المظاهر هي مظاهر تقدمية في حياتنا الاجتماعية، وهي وليدة التطور الاجتماعي الموضوعي، الذي لا تقدر على صدّه أية قوة. كما أنها تمثل تجاوزا للتقاليد والعادات الاجتماعية والثقافية البالية التي تعتبر المرأة أداة للمتعة والإنجاب بل متاعا من أمتعة الرجل وتـُعرّف المرأة الصالحة وفقا لمعايير الخنوع والخضوع والذل وانعدام الشخصية والتضحية بالحرية والحقوق من أجل الرجل صاحب كل الحقوق والامتيازات أي المرأة التابعة الذليلة. ولكن ينبغي الإقرار بأن تلك المظاهر الإيجابية والتقدمية هي بصدد التشوّه من جراء المناخ الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي السائد الآن في بلادنا والذي تستغله التيارات الرجعية للهجوم على مكاسب النساء وتعمّد الخلط بين هذه المكاسب وبين مظاهر الانحلال والفساد الأخلاقيين والإيهام بأن تلك المكاسب هي مصدر ذلك الانحلال والفساد، والحال أن مصدرها آخر، يكمن في النظام الرأسمالي الليبرالي المتوحّش الذي يحكم العلاقات الاجتماعية في بلادنا ويؤثر أيما تأثير في الأخلاق والسلوك. وهنا يكمن التهديد الجدي الذي تمثله الدكتاتورية النوفمبرية، التي "ترعى" هذه العلاقات، لمكاسب النساء فهي التي تدمرها وتيسّر وضعها محل مراجعة.
إن مواجهة التدهور الأخلاقي في المجتمع لا يمكن أن تتم إذن بتجريم المرأة، وعقابها وإرجاعها إلى البيت أو "تحجيبها"، ولكن بمقاومة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى التدهور الأخلاقي كما أدت إلى إذلال النساء وتبضيعهن والتي هي كامنة في النظام الرأسمالي وأمراضه غير القابلة للإصلاح أو العلاج. إنّ المجتمع التونسي في حاجة إلى ثورة لا إلى ردة في الأخلاق، والنساء في حاجة إلى الحرية لا إلى الاستعباد، والعائلة التونسية في حاجة إلى أن تسود داخلها المساواة والعلاقات الديمقراطية، لا إلى التسلط والقهر والإخضاع.
إن الأخلاق التي ينبغي لنا أن نناضل من أجل ترسيخها وإعلائها، في مجال العلاقة بين الجنسين هي تربية الفتاة التونسية على الحرية لا على العبودية، على الجرأة، لا على الخوف، على الاستقلالية، لا على التبعية، على المسؤولية، لا على القصور والاتكالية، على الحق، لا على المنّة والصدقة، على الكرامة لا على الذل. كما ينبغي لنا أن نربي الفتيان على احترام المرأة، لا على احتقارها، على عقلية المساواة، لا على الاستعلاء أو التمييز، وعلينا أن ندرك في نهاية الأمر أن الزواج الأخلاقي الوحيد هو الزواج القائم على حرية الاختيار خارج أي ضغوط مادية أو معنوية وأن العلاقات الجنسية الأخلاقية الوحيدة هي العلاقات القائمة على الحبّ، وأن العائلة الأخلاقية الوحيدة هي العائلة القائمة على المساواة التامة والفعلية وعلى الديمقراطية في العلاقة بين أفرادها.
هذه هي الأخلاق التي على كل تقدمي أن يدافع عنها وينشرها بين الأجيال الحالية، ويناضل من أجل أن تصبح هي السائدة في العلاقة بين الجنسين. ومن البديهي أن ذلك مرتبط أشد الارتباط بالنضال على كافة الواجهات الأخرى، ذلك أن الأخلاق الإنسانية الرفيعة، لا يمكن أن تنبت وتنمو وتسود إلا في المناخ الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي الذي يلائمها، فكما أن مناخ الرأسمالية الليبرالية التابعة والمتوحشة والاستبداد يلائم تشيئة المرأة وتبضيعها واستغلالها واضطهادها وتأبيد اللامساواة بينها وبين الرجل فإن، مناخ الاشتراكية والديمقراطية، يلائم معاملة المرأة ككائن إنساني واحترام حريتها وحقوقها وإقرار المساواة بينها وبين الرجل.
وهنا لا بد من دفع شبهة يمعن بعض رموز الحركات الإسلامية في ترويجها مفادها أن "العلمانية تفسد الأخلاق". إن العلمانية لم تفسِدْ ولا يمكن أن تفسد الأخلاق، بل إنها على العكس من ذلك ساعدت تاريخيا على تنسيبها وتطويرها والارتقاء بها. فما دامت الأخلاق، من منظور علماني، جملة القيم التي تنتجها مجموعة بشرية معينة، وتحديدا الطبقات السائدة في ظرف تاريخي معين، وتفرضها على باقي المجتمع كأخلاق عامة تبرر بها سيطرتها ومصالحها، فإنها تبقى قابلة للنقد والمراجعة والتغيير، ولا يمكن النظر إليها، كما يزعم بعض "رجال الدين" الذين خدموا الأنظمة العبودية والإقطاعية كـ"قيم مطلقة وسرمدية" بهدف تأبيد خضوع الفقراء للأغنياء، والعبيد للأسياد، والأقنان للإقطاعيين، والنساء للرجال، والسود للبيض، وأتباع الأقليات الدينية أو العرقية والقومية للطائفة المسيطرة، إلخ. ففي حين يعلن رجل الدين الرجعي مثلا أن اللامساواة بين الجنسين "مبدأ إلهي" غير قابل للتغيير وعلى النساء الإذعان له، تعلن العلمانية أنها "نتاج تاريخي". ولـّدته علاقات اجتماعية معينة، كانت المرأة فيها في موقع دوني، وأن العصور الحديثة وفـّرت الشروط اللازمة لتصبح المساواة المبدأ الأخلاقي الجديد الذي يوجه العلاقات بين الجنسين وأنه من اللا أخلاقي أن يواصل اليوم شخص الدفاع عن اللامساواة التي ترمز إلى عصور متخلفة ووحشية من تاريخ الإنسانية، تماما كما هو الشأن بالنسبة إلى الرق، فمن يجرؤ اليوم على مواصلة الدفاع عنه، بينما كان في العصور الغابرة، وإلى حد القرن العشرين في العديد من البلدان العربية والإسلامية، ظاهرة عادية وكانت الأخلاق السائدة تقتضي أن يخضع العبد لسيده ويتصرف كمتاع من أمتعته. وخلاصة القول فإن أعداء العلمانية عوض أن يحمّلوا الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية بما فيها النظام الرأسمالي اليوم، مسؤولية هذا النمط من الأخلاق أو ذاك، يلقون باللائمة على العلمانية لأنهم في الواقع يريدون فرض أنماط أخلاقية على المجتمع باعتبارها "حقائق أبدية" ومن بينها اللامساواة بين الجنسين التي يضفون عليها طابعا قدسيا.
من الأفكار الشائعة في المجتمع أيضا، ليس في صفوف الذكور فحسب، بل كذلك في صفوف جانب من الوسط النسائي، هو أن النساء سبب الأزمة الأخلاقية التي تنخر مجتمعنا. وهذه الفكرة خاطئة بالطبع، لا لأنها تحمّل النساء مسؤولية التدهور الأخلاقي في المجتمع فحسب بل لأنها أيضا تختزل هذا التدهور في بعض المظاهر السلوكية المتعلقة بالجانب الجنسي في العلاقات بين النساء والرجال (البغاء...) أو ما يعبّر عنه بعاميتنا بكلمة "لِفـْسَادْ".
إن التدهور الأخلاقي والقيمي في مجتمعنا أمر موضوعي لا يمكن أن ينكره أحد، بل إن محاولة نكرانه أو طمسه كما يفعل نظام الحكم للتنصّل من المسؤولية أو كما يفعل بعض "التقدميين" خوفا من السقوط في "الأخلاقوية" أو من صبّ الماء كما يقولون في طاحونة التيارات السلفية التي تتخذ من تدهور الأخلاق والقيم ذريعة للدعوة إلى الرجوع بالمجتمع إلى الوراء، لن يجدي نفعا، باعتبار أن ذلك لن يوقف التدهور الأخلاقي ولا توظيف التيارات السلفية والأصولية له بل إنه لن يخدم في نهاية الأمر إلا هذه التيارات لما يحدثه التدهور الأخلاقي من فزع داخل الطبقات والفئات الشعبية وهي محقة في ذلك.
إن الموقف السليم يقضي بضرورة الإقرار بوجود أزمة أخلاقية وقيمية. ولكن هذا الإقرار لا يكفي إذ لا بد من تحديد مظاهر هذه الأزمة والوقوف عند أسبابها الحقيقية والبحث عن كيفية التصدي لها ومعالجتها معالجة متجهة نحو المستقبل ونحو الأفضل. وهنا لا بد من ملاحظة أن الأزمة الأخلاقية والقيمية في مجتمعنا هي أوسع وأشمل من أن تختزل في بعض المظاهر المتعلقة بالأخلاق الجنسية للنساء والرجال وما اعتراها من تسيب وتبضيع. كما أنها أعمق من أن يحمّل النساء مسؤوليتها أو أن يزعم أن حلها يكمن بكل بساطة في تشديد القمع على النساء والرجوع بهنّ إلى الوراء.
لقد تعرّض حزب العمال في إحدى وثائقه الأساسية المنشورة في السنوات الأخيرة بعنوان "من أجل بديل ديمقراطي و شعبي" إلى الأزمة الأخلاقية والقيمية التي تنخر مجتمعنا وأسبابها. فأشار إلى تفشي القيم الفردانية على حساب قيم التضامن والتآزر. وأرجع ذلك إلى المناخ الاقتصادي والاجتماعي السائد، مناخ الرأسمالية النيوليبرالية المتوحشة، التي جعلت من اللهث وراء الربح والمصلحة الخاصة الغاية القصوى في الحياة. وهو ما أدى إلى تحوّلٍ هام في العلاقات بين الناس إذ أصبح المال هو المعيار الذي يَحْكُمُ العلاقات ويُعَيَّرُ به الأفراد. وفي علاقة بذلك أصبحت مواصفات الشخص "الناجح في حياته" تكمن في مدى قدرته على التحيّل والنهب والسرقة والإرشاء والإرتشاء لتكديس المال ولم يعد العمل والعلم والكفاءة والتفاني في خدمة الغير والمجتمع المعيار القيمي الذي يستخدم للحكم على الأشخاص، بل أصبح يُنظر في العديد من الأوساط إلى الشخص الذي يحمل هذه القيم ويحافظ عليها على أنه "ساذج" وليس "ابن عصره" أي عصر الرأسمالية المتوحشة التي يناسبها أخلاقيا "إنسان متوحش" بمساحيق عصرانية وحداثية وهو ما يتجسد أحسن تجسيد في بورجوازي اليوم.
وأشارت الوثيقة من جهة أخرى إلى انتشار الغش والكذب والنفاق والوشاية وإلى تفشي البذاءة وتلوث لغة الشبان والكهول وحتى الصبيان أحيانا في المنزل ومركز العمل والشارع الذي غاب فيه الحياء. وتراجع السلوك المدني في العلاقة بين الناس ليغلب عليها غياب الاحترام والعنف. وامتدت الأزمة الأخلاقية إلى العائلة سواء في علاقة الزوجين ببعضهما بعضا أو في علاقة الأبناء والبنات بالوالدين إذ أصبح التوتر والتمرد والاستهزاء التي تغذيها الثقافة الرسمية السائدة (مسلسلات، منوعات، كليبات...) هي التي تحكم تلك العلاقات ولا يجد الآباء من رد على هذا السلوك سوى استعمال أساليب العنف والتسلط لـ"ردعهم". وعلى صعيد آخر تفشت أخلاق العبودية بما تعنيه من خنوع للحاكم وأصحاب الجاه ومذلة واستسلام وهي كلها نتاج لـ"ثقافة الرعية" التي ينتجها الاستبداد. ولكن كيف تنعكس هذه الأزمة على النساء وعلى علاقتهن بالرجال؟
إن تشيئة المرأة وتبضيعها هما إحدى أهم سمات الواقع الاجتماعي في تونس اليوم وتمثلان أفظع نتيجة لهذه التشيئة وهذا التبضيع ما يمكن تسميته بـ"سوق اللذة" التي ظهرت إلى جانب "الأسواق الأخرى" إذ أصبح جسد المرأة يباع ويشترى مما أدى إلى انتشار ظاهرة البغاء في كافة الأوساط. ومن نتائج ذلك أيضا التكالب على الجنس إذ أصبحت العلاقة بين المرأة والرجل يسيطر عليها الجانب الجنسي، بل إن العلاقات الجنسية ذاتها فقدت جانبا كبيرا من بعدها الروحي، النفسي العاطفي، الثقافي الإنساني ليسيطر عليها الجانب الغريزي، الحيواني. وبالطبع عززت هذا الاتجاه القنوات التلفزية البورنوغرافية التي تذلّ المرأة وتدمّر عقول الشباب وتخرّب نفسياتهم وتفقدهم الكثير من إنسانيتهم.
ولكن لا ينبغي الخلط في تناول هذه المسألة بين ما يندرج حقا في مجال التدهور الأخلاقي في العلاقة بين الجنسين وبين ما يندرج، خلافا لذلك، في مجال التطوّر الإيجابي، التقدمي للأخلاق الاجتماعية.
إن خروج النساء والفتيات إلى المدرسة والعمل واقتحامهن عديد الميادين واختلاطهن بالجنس الآخر، كل ذلك أدى إلى تحولات في شخصياتهن ونفسياتهن لا ينبغي النظر إليها كـ"علامات سلبية"، على غرار ما تروّج له التيارات السلفية والأصولية والرجعية عامة. فما اكتسبته المرأة مثلا من جرأة وقدرة على الدفاع عن ذاتها وحقوقها، ومن حرية في اختيار شريك حياتها أو الطلاق في حالة الفشل وربط علاقات عاطفية جديدة والجرأة على التعبير عن المشاعر والرغبات وعن الحق في علاقات عاطفية وجنسية متكافئة مع الشريك أو القرين والشعور بأن جسدها هو ملكها، ليس قابلا للبيع أو الشراء، أو أن لها كلمتها في إنجاب الأطفال بما في ذلك الحق في إيقاف الحمل لهذا السبب أو ذاك الذي يهمّ صحتها الجسدية أو النفسية أو غيرها من العوامل، وتمسكها بحقها في الشغل وفي كسب استقلاليتها المادية والمشاركة في إدارة شؤون العائلة وتقرير مصير الأطفال ورفض كافة مظاهر الإهانة من تعنيف ونيل من الكرامة وغير ذلك من الممارسات التمييزية، في كلمة تمسكها بالمساواة مع الرجل والكفاح من أجل ذلك، كل هذه المظاهر هي مظاهر تقدمية في حياتنا الاجتماعية، وهي وليدة التطور الاجتماعي الموضوعي، الذي لا تقدر على صدّه أية قوة. كما أنها تمثل تجاوزا للتقاليد والعادات الاجتماعية والثقافية البالية التي تعتبر المرأة أداة للمتعة والإنجاب بل متاعا من أمتعة الرجل وتـُعرّف المرأة الصالحة وفقا لمعايير الخنوع والخضوع والذل وانعدام الشخصية والتضحية بالحرية والحقوق من أجل الرجل صاحب كل الحقوق والامتيازات أي المرأة التابعة الذليلة. ولكن ينبغي الإقرار بأن تلك المظاهر الإيجابية والتقدمية هي بصدد التشوّه من جراء المناخ الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي السائد الآن في بلادنا والذي تستغله التيارات الرجعية للهجوم على مكاسب النساء وتعمّد الخلط بين هذه المكاسب وبين مظاهر الانحلال والفساد الأخلاقيين والإيهام بأن تلك المكاسب هي مصدر ذلك الانحلال والفساد، والحال أن مصدرها آخر، يكمن في النظام الرأسمالي الليبرالي المتوحّش الذي يحكم العلاقات الاجتماعية في بلادنا ويؤثر أيما تأثير في الأخلاق والسلوك. وهنا يكمن التهديد الجدي الذي تمثله الدكتاتورية النوفمبرية، التي "ترعى" هذه العلاقات، لمكاسب النساء فهي التي تدمرها وتيسّر وضعها محل مراجعة.
إن مواجهة التدهور الأخلاقي في المجتمع لا يمكن أن تتم إذن بتجريم المرأة، وعقابها وإرجاعها إلى البيت أو "تحجيبها"، ولكن بمقاومة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى التدهور الأخلاقي كما أدت إلى إذلال النساء وتبضيعهن والتي هي كامنة في النظام الرأسمالي وأمراضه غير القابلة للإصلاح أو العلاج. إنّ المجتمع التونسي في حاجة إلى ثورة لا إلى ردة في الأخلاق، والنساء في حاجة إلى الحرية لا إلى الاستعباد، والعائلة التونسية في حاجة إلى أن تسود داخلها المساواة والعلاقات الديمقراطية، لا إلى التسلط والقهر والإخضاع.
إن الأخلاق التي ينبغي لنا أن نناضل من أجل ترسيخها وإعلائها، في مجال العلاقة بين الجنسين هي تربية الفتاة التونسية على الحرية لا على العبودية، على الجرأة، لا على الخوف، على الاستقلالية، لا على التبعية، على المسؤولية، لا على القصور والاتكالية، على الحق، لا على المنّة والصدقة، على الكرامة لا على الذل. كما ينبغي لنا أن نربي الفتيان على احترام المرأة، لا على احتقارها، على عقلية المساواة، لا على الاستعلاء أو التمييز، وعلينا أن ندرك في نهاية الأمر أن الزواج الأخلاقي الوحيد هو الزواج القائم على حرية الاختيار خارج أي ضغوط مادية أو معنوية وأن العلاقات الجنسية الأخلاقية الوحيدة هي العلاقات القائمة على الحبّ، وأن العائلة الأخلاقية الوحيدة هي العائلة القائمة على المساواة التامة والفعلية وعلى الديمقراطية في العلاقة بين أفرادها.
هذه هي الأخلاق التي على كل تقدمي أن يدافع عنها وينشرها بين الأجيال الحالية، ويناضل من أجل أن تصبح هي السائدة في العلاقة بين الجنسين. ومن البديهي أن ذلك مرتبط أشد الارتباط بالنضال على كافة الواجهات الأخرى، ذلك أن الأخلاق الإنسانية الرفيعة، لا يمكن أن تنبت وتنمو وتسود إلا في المناخ الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي الذي يلائمها، فكما أن مناخ الرأسمالية الليبرالية التابعة والمتوحشة والاستبداد يلائم تشيئة المرأة وتبضيعها واستغلالها واضطهادها وتأبيد اللامساواة بينها وبين الرجل فإن، مناخ الاشتراكية والديمقراطية، يلائم معاملة المرأة ككائن إنساني واحترام حريتها وحقوقها وإقرار المساواة بينها وبين الرجل.
وهنا لا بد من دفع شبهة يمعن بعض رموز الحركات الإسلامية في ترويجها مفادها أن "العلمانية تفسد الأخلاق". إن العلمانية لم تفسِدْ ولا يمكن أن تفسد الأخلاق، بل إنها على العكس من ذلك ساعدت تاريخيا على تنسيبها وتطويرها والارتقاء بها. فما دامت الأخلاق، من منظور علماني، جملة القيم التي تنتجها مجموعة بشرية معينة، وتحديدا الطبقات السائدة في ظرف تاريخي معين، وتفرضها على باقي المجتمع كأخلاق عامة تبرر بها سيطرتها ومصالحها، فإنها تبقى قابلة للنقد والمراجعة والتغيير، ولا يمكن النظر إليها، كما يزعم بعض "رجال الدين" الذين خدموا الأنظمة العبودية والإقطاعية كـ"قيم مطلقة وسرمدية" بهدف تأبيد خضوع الفقراء للأغنياء، والعبيد للأسياد، والأقنان للإقطاعيين، والنساء للرجال، والسود للبيض، وأتباع الأقليات الدينية أو العرقية والقومية للطائفة المسيطرة، إلخ. ففي حين يعلن رجل الدين الرجعي مثلا أن اللامساواة بين الجنسين "مبدأ إلهي" غير قابل للتغيير وعلى النساء الإذعان له، تعلن العلمانية أنها "نتاج تاريخي". ولـّدته علاقات اجتماعية معينة، كانت المرأة فيها في موقع دوني، وأن العصور الحديثة وفـّرت الشروط اللازمة لتصبح المساواة المبدأ الأخلاقي الجديد الذي يوجه العلاقات بين الجنسين وأنه من اللا أخلاقي أن يواصل اليوم شخص الدفاع عن اللامساواة التي ترمز إلى عصور متخلفة ووحشية من تاريخ الإنسانية، تماما كما هو الشأن بالنسبة إلى الرق، فمن يجرؤ اليوم على مواصلة الدفاع عنه، بينما كان في العصور الغابرة، وإلى حد القرن العشرين في العديد من البلدان العربية والإسلامية، ظاهرة عادية وكانت الأخلاق السائدة تقتضي أن يخضع العبد لسيده ويتصرف كمتاع من أمتعته. وخلاصة القول فإن أعداء العلمانية عوض أن يحمّلوا الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية بما فيها النظام الرأسمالي اليوم، مسؤولية هذا النمط من الأخلاق أو ذاك، يلقون باللائمة على العلمانية لأنهم في الواقع يريدون فرض أنماط أخلاقية على المجتمع باعتبارها "حقائق أبدية" ومن بينها اللامساواة بين الجنسين التي يضفون عليها طابعا قدسيا.
نبض الحياة- تابعنا :
أحترام قوانين المنتدى :
الهوايــــــــــات : أتطلع بكل ماهو جديد
بشتغل في : في مجال الهندسة الميكانيكية
أعيش في : الســـــــــــــــــــــــودان - بورتســـــــــــــــــودان
العمل/الترفيه : مهندس
الابراج :
الأبراج الصينية :
عدد المساهمات : 294
نقاط : 65373
تاريخ التسجيل : 26/08/2010
الموقع : مهندسين الدبلوم التقني
العمر : 37
بطاقة الشخصية
رمي النرد :
(5/5) - 0914614568
مـنـتـديــــــــــات الـمهنـــدسيــــــن الـــتـقـنـيـــيـن :: الأقسام الأجتماعية :: منتدى النقاش الهادف
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين سبتمبر 22, 2014 6:54 pm من طرف اسماعيل حامد
» وقفـة مهمــة لحـفـظ الحـديـث والسـنــة
الإثنين مارس 17, 2014 5:05 pm من طرف mohab_sal
» CNC & CAM Programming
الثلاثاء نوفمبر 05, 2013 7:35 am من طرف training_2012
» تحبات عطرات
الخميس أكتوبر 24, 2013 7:37 pm من طرف عثمان جكنون
» الموصلات الكهربائية
الإثنين مايو 27, 2013 4:19 pm من طرف ABDULKARIM
» Introduction about diploma cad cam
الخميس مايو 02, 2013 11:27 am من طرف training_2012
» بحث عن السدود
الأربعاء مايو 01, 2013 4:37 am من طرف نبض الحياة
» اول قناة تعليمية عن برمجة ماكينات cnc
الإثنين أبريل 01, 2013 12:23 pm من طرف training_2012
» رنامج عمل نظام متكامل لمركز خدمة و صيانة السيارات
الإثنين ديسمبر 31, 2012 12:38 am من طرف نبض الحياة