دخول
بحـث
Google 1+
زوار المنتدى
.: أنــت زائــرنــــا رقـــــم :.
الســــــــــــــــاعة
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 6 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 6 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 49 بتاريخ الأربعاء أكتوبر 23, 2024 7:16 am
مواضيع مماثلة
المواضيع الأخيرة
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
نبض الحياة | ||||
ود الرضي | ||||
عبد الماجد محجوب | ||||
ahmed sinaa | ||||
عثمان جكنون | ||||
simo | ||||
bisho sax | ||||
imane | ||||
training_2012 | ||||
مصطفى تتو |
الساعة الأن
مطارحات حول قضيّة المرأة
مـنـتـديــــــــــات الـمهنـــدسيــــــن الـــتـقـنـيـــيـن :: الأقسام الأجتماعية :: منتدى النقاش الهادف
صفحة 1 من اصل 1
مطارحات حول قضيّة المرأة
عودة إلى النقاش حول حقوق المرأة
أثارت النقاشات التي دارت هذه السنة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، وخاصّة تلك التي دارت حول "إعلان هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات حول حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين"، عدّة مسائل تهم أوجها مختلفة من واقع النساء في تونس وآفاق تحررهن من الميز الذي تعانين منه. ولم تقابل الخلافات التي أظهرتها هذه النقاشات بين العلمانيين والإسلاميين فحسب بل إنها شقت أيضا صفوف العلمانيين والإسلاميين على حد السواء.و إلى ذلك لم يكن الخلاف بين العلمانيين والإسلاميين يتطابق دائما مع الصراع بين أنصار الديمقراطية من جهة و أنصار الاستبداد من جهة أخرى، فمن بين العلمانيين من ساند نظام بن علي في بعض إجراءاته القمعية كما أن من بين الإسلاميين من تخلى عن مواقف سابقة لفائدة مواقف جديدة مؤيدة ولو نسبيا لحرية النساء. وسأتعرّض في هذا الملحق لبعض تلك المسائل لاستكمال أو دعم الأفكار والآراء التي أوردتها في مداخلتي في إطار "هيئة 18أكتوبر" وتتعلق هذه المسائل بـ:
1. بعض الأفكار الشائعة حول تحرر المرأة.
2. النساء والأخلاق والحب والجنس والعائلة.
3. أحكام الشريعة: التاريخ/النسبية .
4. العلمانية والهوية والوطنية.
(1) بعض الأفكار الشائعة حول تحرّر المرأة:
من الأفكار الشائعة في صفوف الرجال في تونس أنّ النساء حصلن على "حرّيتهن وزيادة" وأصبحن في وضع أفضل من وضع الرجال بل إنهن أصبحن "يستعمرن الرجال" "ويضطهدنهم" وأن الرجل هو الذي صار في حاجة إلى "جمعية للدفاع عن حقوقه". ومن البديهي أن هذه الأفكار لا أساس لها من الصحّة. فالنساء التونسيات ما زلن بعيدات عن تحقيق المساواة التامّة بينهن وبين الرجال سواء على الصعيد القانوني أو على صعيد الواقع والممارسة. فهنّ عرضة للميز والاضطهاد كما بيّنتُ ذلك في مداخلتي في الندوة التي عقدتها "هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات" في مطلع شهر ديسمبر الماضي. ولكن ما الذي يشوش الوضع ويخلق الانطباع لدى فئات من الرجال من مختلف الطبقات الاجتماعية بأن ما حصلت عليه النساء من مكتسبات جزئية يمثل مغالاة في الحريّة غير مقبولة ومن ثمّة يشتدّ العداء لهنّ من تلك الفئات التي لا تخفي رغبتها في أن يحلّ في يوم ما نظام "يكسر شوكتهن" ويعيدهنّ إلى "جحورهن"؟
أعتقد أن أحد أهم الأسباب التي تقف وراء شيوع هذه الأفكار، هو هشاشة المكتسبات التي حققها النساء. هذه المكتسبات ليست مسنودة بأرضية اقتصاديّة واجتماعية وثقافية وسياسية صلبة ترسّخها وتطوّرها في اتجاه تحقيق تحرر النساء التونسيات تحريرا كاملا على أساس من المساواة قانونا وممارسة. فلنأخذ تشغيل النساء مثلا. إن خروج هؤلاء إلى الشغل لم يندرج ولا يندرج في إطار إستراتجية تهدف إلى تحرّرهن. فقد وقع إخراجهن إلى سوق الشغل كقوّة عمل قصد استغلالهن، وهو ما جعل وضعهن في الشغل هشّا، والشاهد على ذلك ما قدمته في مداخلتي المذكورة من نسب وأرقام حول شغل النساء تؤكد ضعف نسبة الناشطات منهن وهشاشة الأعمال والوظائف التي يقمن بها وضآلة وجودهن في مواقع التسيير وضعف أجورهن مقارنة بأجور الرجال وتعرّضهن للطرد في أوقات الأزمات وتفشي البطالة في صفوفهن وتشريع عمل النساء نصف وقت، الخ. وقد سعت البرجوازية التونسية التابعة إلى الحفاظ على تلك النظرة التقليدية المتخلّفة لشغل المرأة باعتباره أمرا ثانويا، غير ضروري لها ولنهضة المجتمع وفي أفضل الحالات "مكمّلا" لشغل الرجل. ومن هذا المنطلق، ظلت العقلية العامة تنظر إلى المرأة على أنها تنافس الرجل في ميدان الشغل وتحمّلها مسؤولية بطالته خاصّة في مثل هذه الظروف التي تتفاقم فيها البطالة بشكل غير مسبوق وتحكم على مئات الآلاف من الأشخاص بالفقر والإملاق، عوض تحميلها للنظام الاقتصادي الاجتماعي البرجوازي المتخلّف، الذي يولّد بطالة الرجال والنساء على حدّ السواء.
وإلى ذلك فإن شغل النساء ليس مسنودا بخدمات اجتماعية تحرّرهن من عبودية البيت، ومن توزيع الأدوار التقليدي، النساء للشؤون المنزلية وتربية الأطفال والرجال لـ"خارج البيت" أي للشغل والشأن العام. وأقصد بالخدمات الاجتماعية المحاضن ورياض الأطفال والمطاعم في أماكن العمل (الكنتينات) والغسّالات العمومية وغير ذلك من الخدمات غير المتوفرة للنساء العاملات والأجيرات وحتى إذا توفـّرت فبأسعار لا يقدرن عليها (المحاضن ورياض الأطفال). كما أن الدولة لا تتخذ من الإجراءات ما يشجّع الأزواج أو يحملهم على تحمّل مسؤولية البيت والعائلة مع زوجاتهم. وأقصد هنا مسألة التنصيص دستورا وقانونا على المسؤولية المشتركة للزوجين في تحمل أعباء المنزل وتربية الأطفال وتمكين الأزواج من عطلة أبويّة للعناية بالأطفال إضافة إلى تمكين النساء الحاملات من عطلة ما قبل الولادة في القطاعين الخاص والعام. ومن البديهي أن غياب مثل تلك الخدمات الاجتماعية والإجراءات التشجيعية من شأنه أن يؤدي إلى ترك النساء الشغل والعودة إلى البيت للعناية بأزواجهن وأطفالهن وبأفراد العائلة الآخرين. وهو ما يؤكد النسبة الضعيفة للنساء المتزوجات من بين النساء العاملات والناشطات عموما. كل هذه العوامل تجعل خروج النساء إلى الشغل هشّا وقابلا للتراجع بهذه الدرجة أو تلك لأنه من الصعب جدّا العودة الآن إلى الوراء لإرجاع كل أو معظم النساء العاملات إلى بيوتهنّ لما سيحدثه ذلك من خلل اقتصادي واجتماعي يصعب على أي نظام، حتى لو كان إسلاميا، تحمّله. وهذا الوضع الهشّ لشغل النساء يخدم بطبيعة الحال مصالح رأس المال المحلي والأجنبي المسيطر في بلادنا لأنه يُفسِح له المجال أولا لاستغلال اليد العاملة النسائية استغلالا فاحشا وثانيا للتخلص منهن وطردهن كلما عنّ له ذلك وخاصة في أوقات الأزمات. كما أن هذا الوضع يخدم نظام بن علي الذي لا يرى نفسه مجبرا على توفير الشغل للنساء باعتباره حقا من حقوقهنّ الذي يجب على الدولة الوفاء به.
أما من الجانب السياسي فإن الخطر على حريّة المرأة وحقوقها متأت، ليس من التيارات الرجعيّة التي تدعو إلى التراجع في مكتسباتها فحسب، بل من نظام بن علي ذاته الذي يُضعف تلك المكتسبات ويجعلها قابلة للطعن والمراجعة. فهذا النظام الاستبدادي يستعمل قضيّة المرأة لتلميع صورته، خصوصا في الخارج، والظهور بمظهر النظام "العصري الديمقراطي" الواقف في وجه التيارات الأصولية والذي يستحقّ بالتالي "المساندة" وغضّ الطرف عما يرتكبه من انتهاك منهجي للحريّات والمبادئ الديمقراطيّة. ولكي يتسنى لبن علي توظيف قضيّة المرأة، فهو يسعى إلى احتكارها ويعتبر نفسه الوحيد المخوّل له الخوض فيها وما على الآخرين، داخل الحزب الحاكم أو خارجه، إلا أن يصفقوا له ويهللوا بـ"القرارات الجريئة والرائدة" التي يتخذها، حتى لو كانت شكلية وجزئية وذات طابع ديماغوجي. ومن هذا الموقع فهو لا يتوانى في قمع كل الأصوات الحرّة التي تنتقد أوضاع النساء في تونس وتطالب بإقرار المساواة التامة والفعلية بين الجنسين. كما أنه يمنع الجمعيات النسائية واللجان النسائية التابعة لهيئات مهنية ونقابية من النشاط الحر في صفوف النساء للارتقاء بوعيهن وتنظيمهن وتعبئتهن من أجل حقوقهنّ، و يسدّ أمامها أبواب وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمكتوبة التي لا تتحدّث إلاّ عمّا يقوله ويقرره هو. إنّ هذا الأسلوب في التعاطي مع قضيّة النساء لا يسهم في تطوير وعي المجتمع بحقوقهن وحريتهن بل يغذّي بسهولة ردود الفعل الذكرية، في صفوف فئات من الرجال بما في ذلك في الأوساط العمالية والشعبية، بل إن مثل ردود الأفعال هذه المعادية ظهرت وتظهر حتى في صفوف النساء المتأثرات بالأفكار الرجعيّة والواقعات تحت هيمنة التقاليد والعادات البالية.. إن أي خطوة جدّية تتخذ في نطاق السعي إلى تحقيق المساواة بين الجنسين ينبغي أن تكون محل نقاش عام وحر داخل المجتمع بمختلف مؤسساته وهيئاته وتنظيماته الحزبية والنقابية والنسائية والشبابية والثقافية بهدف شرح أبعاده وإقناع الناس به وخلق رأي عام حوله وترسيخه في الأذهان وتحويله شيئا فشيئا إلى جزء من الوعي والثقافة الاجتماعيين، ومن المنظومة التشريعية للبلاد بل إلى جزء من "الطبيعة الإنسانية" للتونسيات والتونسيين.
أما أن يتخذ هذا الإجراء أو ذاك بشكل فوقي، بيروقراطي لأغراض دعائية فإنه لا ينـْفـُذ إلى وعي الناس وعقولهم بل يبقى سطحياًّ، قابلا للتراجع خصوصا حين يكون المناخ الإيديولوجي والاجتماعي العام غير ملائم. ولكن لا ينبغي أن يُفهم من هذا الكلام أن الإجراءات التي يتخذها نظام بن علي تتجاوز وعي التونسيين أوهم غير مستعدّين لتقبلها. طبعا لا. نحن نعتقد جازم الاعتقاد أن غالبية الشعب التونسي لا تعادي المساواة بين الجنسين وهي مستعدّة لتقبلها واستيعابها والاقتناع بها. لكن المشكل يتمثل في النظام الاقتصادي الاجتماعي الرأسمالي التابع والمتخلّف الذي يشوّه قضيّة تحرير النساء بإضفائه على هذا التحرير صبغة "سلعية/تجارية" أي تحرير المرأة كقوة عمل لتستغلها وتحرير جسمها كبضاعة لتباع وتشترى في "سوق اللّذة"، كما يتمثّل في طبيعة النظام الاستبدادية التي تجعله يقمع حريّة الرأي والتعبير ويوظّف قضيّة المرأة لتلميع صورته وفي طبيعته الاجتماعية المتخلفة التي تثقل كاهل النساء بالعمل المنزلي وتربية الأطفال ولا توفر لهن الخدمات الضرورية.
وأخيرا وفي ما يتعلّق بالجانب الإيديولوجي والثقافي فإن الأفكار التي ينشرها النظام القائم عبر البرامج الدراسية ووسائل الإعلام والمؤسسات الدينية والكتب والمنتجات الفنيّّة والثقافية لا تخدم في معظمها قضيّة تحرر النساء، بل تشوّهها وتعاديها. فصورة المرأة الضعيفة، الماكرة، الشيطانة، المغوية، بليدة الذهن، والأم الراعية للبيت والأطفال وفقا للتوزيع التقليدي للأدوار داخل العائلة، هي التي ما تزال مهيمنة في الكتب المدرسية والمنتجات الثقافية والغناء ووسائل الإعلام. ولا يتوانى نظام بن علي في توظيف الدين لتبرير رفضه بعض المطالب التي يرفعها النساء مثل الإدارة المشتركة للعائلة التي شرّعها مثلا النظام المغربي في آخر تحوير لـ"المدونة" وهو نظام يعتبر فيه الملك نفسه "أمير المؤمنين"، والمساواة في الإرث التي نادى بها مصلحون من أمثال الطاهر الحداد (1899-1935)، خرّيج الزيتونة والذي لا يمكن أن يتّهم بـ"الإلحاد" ومعاداة الإسلام. كما يستعمل نظام بن علي المساجد والجوامع لإطلاق حملات تشهير وتشويه ضد النساء الديمقراطيات والتقدميات المطالبات بالمساواة، وتقديمهن في صورة النساء "المعاديات للإسلام" لطمس مشروعية مطالبهن.
ويلقى هذا الخطاب الرجعي المعادي لحرية النساء وحقوقهن سندا له في المادة الدينية والثقافية والسياسية التي تبثها الفضائيات العربية الممولة من أثرياء سعوديين وخليجيين حريصين على توظيف الدين لإبقاء المجتمعات العربية متخلفة لاستدامة سيطرتهم عليها، علما وأن أصحاب هذه الفضائيات التي تبث مثل تلك المادة الرجعية المتخلفة، هم الذين يبيعون أوطانهم للامبريالية الأمريكية لتنهب خيراتها وثرواتها النفطية ويهدرون كرامة شعوبهم ويمسخون ذاتيتها وهويتها. كما أنهم هم الذين يمولون فضائيات تشجع الميوعة والابتذال وتمجّد صورة المرأة البضاعة.
وخلاصة القول إن نظام بن علي يمثل خطرا حقيقيا على مكتسبات النساء في تونس وهو ليس مؤهلا لصيانتها فما بالك بدعمها وتطويرها وتحرير النساء التونسيات من الميز والاضطهاد. فهو بسياسته الاقتصادية والاجتماعية وباستبداده السياسي وبخطابه الثقافي المتخلف وتشريعاته التمييزية يضعفها ويخلق الأرضية المناسبة لوضعها محل سؤال من قبل التيارات السلفية الموغلة في الرجعية التي تعتقد أن الرجوع بالنساء إلى الوراء هو الذي سيخلصهن اليوم من شرور النظام الرأسمالي لذلك لا يمكن البتة للنساء ولأنصار تحررهن من الرجال أن يناموا ملء جفونهم ويذهب في اعتقادهم أن ما حققه النساء من مكتسبات لا رجعة فيه. إن إلغاء تعدد الزوجات، وإقرار حق المرأة في الطلاق والولاية المشروطة على الأطفال والتبني والاختلاط في المدرسة وأماكن العمل والفضاءات العمومية، وتولي النساء خطة القضاء والمشاركة في الحياة العامة، إن لم تكن مهددة جميعها بمراجعة كلية، فعلى الأقل جزئيا. وهو ما يدعو إلى ضرورة توسيع النضال وتجذيره من أجل المساواة الفعلية والتامة التي تقتضي نضالا لا هوادة فيه ضد نظام الاستبداد.
وتابعونا في العدد القادم
أثارت النقاشات التي دارت هذه السنة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، وخاصّة تلك التي دارت حول "إعلان هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات حول حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين"، عدّة مسائل تهم أوجها مختلفة من واقع النساء في تونس وآفاق تحررهن من الميز الذي تعانين منه. ولم تقابل الخلافات التي أظهرتها هذه النقاشات بين العلمانيين والإسلاميين فحسب بل إنها شقت أيضا صفوف العلمانيين والإسلاميين على حد السواء.و إلى ذلك لم يكن الخلاف بين العلمانيين والإسلاميين يتطابق دائما مع الصراع بين أنصار الديمقراطية من جهة و أنصار الاستبداد من جهة أخرى، فمن بين العلمانيين من ساند نظام بن علي في بعض إجراءاته القمعية كما أن من بين الإسلاميين من تخلى عن مواقف سابقة لفائدة مواقف جديدة مؤيدة ولو نسبيا لحرية النساء. وسأتعرّض في هذا الملحق لبعض تلك المسائل لاستكمال أو دعم الأفكار والآراء التي أوردتها في مداخلتي في إطار "هيئة 18أكتوبر" وتتعلق هذه المسائل بـ:
1. بعض الأفكار الشائعة حول تحرر المرأة.
2. النساء والأخلاق والحب والجنس والعائلة.
3. أحكام الشريعة: التاريخ/النسبية .
4. العلمانية والهوية والوطنية.
(1) بعض الأفكار الشائعة حول تحرّر المرأة:
من الأفكار الشائعة في صفوف الرجال في تونس أنّ النساء حصلن على "حرّيتهن وزيادة" وأصبحن في وضع أفضل من وضع الرجال بل إنهن أصبحن "يستعمرن الرجال" "ويضطهدنهم" وأن الرجل هو الذي صار في حاجة إلى "جمعية للدفاع عن حقوقه". ومن البديهي أن هذه الأفكار لا أساس لها من الصحّة. فالنساء التونسيات ما زلن بعيدات عن تحقيق المساواة التامّة بينهن وبين الرجال سواء على الصعيد القانوني أو على صعيد الواقع والممارسة. فهنّ عرضة للميز والاضطهاد كما بيّنتُ ذلك في مداخلتي في الندوة التي عقدتها "هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات" في مطلع شهر ديسمبر الماضي. ولكن ما الذي يشوش الوضع ويخلق الانطباع لدى فئات من الرجال من مختلف الطبقات الاجتماعية بأن ما حصلت عليه النساء من مكتسبات جزئية يمثل مغالاة في الحريّة غير مقبولة ومن ثمّة يشتدّ العداء لهنّ من تلك الفئات التي لا تخفي رغبتها في أن يحلّ في يوم ما نظام "يكسر شوكتهن" ويعيدهنّ إلى "جحورهن"؟
أعتقد أن أحد أهم الأسباب التي تقف وراء شيوع هذه الأفكار، هو هشاشة المكتسبات التي حققها النساء. هذه المكتسبات ليست مسنودة بأرضية اقتصاديّة واجتماعية وثقافية وسياسية صلبة ترسّخها وتطوّرها في اتجاه تحقيق تحرر النساء التونسيات تحريرا كاملا على أساس من المساواة قانونا وممارسة. فلنأخذ تشغيل النساء مثلا. إن خروج هؤلاء إلى الشغل لم يندرج ولا يندرج في إطار إستراتجية تهدف إلى تحرّرهن. فقد وقع إخراجهن إلى سوق الشغل كقوّة عمل قصد استغلالهن، وهو ما جعل وضعهن في الشغل هشّا، والشاهد على ذلك ما قدمته في مداخلتي المذكورة من نسب وأرقام حول شغل النساء تؤكد ضعف نسبة الناشطات منهن وهشاشة الأعمال والوظائف التي يقمن بها وضآلة وجودهن في مواقع التسيير وضعف أجورهن مقارنة بأجور الرجال وتعرّضهن للطرد في أوقات الأزمات وتفشي البطالة في صفوفهن وتشريع عمل النساء نصف وقت، الخ. وقد سعت البرجوازية التونسية التابعة إلى الحفاظ على تلك النظرة التقليدية المتخلّفة لشغل المرأة باعتباره أمرا ثانويا، غير ضروري لها ولنهضة المجتمع وفي أفضل الحالات "مكمّلا" لشغل الرجل. ومن هذا المنطلق، ظلت العقلية العامة تنظر إلى المرأة على أنها تنافس الرجل في ميدان الشغل وتحمّلها مسؤولية بطالته خاصّة في مثل هذه الظروف التي تتفاقم فيها البطالة بشكل غير مسبوق وتحكم على مئات الآلاف من الأشخاص بالفقر والإملاق، عوض تحميلها للنظام الاقتصادي الاجتماعي البرجوازي المتخلّف، الذي يولّد بطالة الرجال والنساء على حدّ السواء.
وإلى ذلك فإن شغل النساء ليس مسنودا بخدمات اجتماعية تحرّرهن من عبودية البيت، ومن توزيع الأدوار التقليدي، النساء للشؤون المنزلية وتربية الأطفال والرجال لـ"خارج البيت" أي للشغل والشأن العام. وأقصد بالخدمات الاجتماعية المحاضن ورياض الأطفال والمطاعم في أماكن العمل (الكنتينات) والغسّالات العمومية وغير ذلك من الخدمات غير المتوفرة للنساء العاملات والأجيرات وحتى إذا توفـّرت فبأسعار لا يقدرن عليها (المحاضن ورياض الأطفال). كما أن الدولة لا تتخذ من الإجراءات ما يشجّع الأزواج أو يحملهم على تحمّل مسؤولية البيت والعائلة مع زوجاتهم. وأقصد هنا مسألة التنصيص دستورا وقانونا على المسؤولية المشتركة للزوجين في تحمل أعباء المنزل وتربية الأطفال وتمكين الأزواج من عطلة أبويّة للعناية بالأطفال إضافة إلى تمكين النساء الحاملات من عطلة ما قبل الولادة في القطاعين الخاص والعام. ومن البديهي أن غياب مثل تلك الخدمات الاجتماعية والإجراءات التشجيعية من شأنه أن يؤدي إلى ترك النساء الشغل والعودة إلى البيت للعناية بأزواجهن وأطفالهن وبأفراد العائلة الآخرين. وهو ما يؤكد النسبة الضعيفة للنساء المتزوجات من بين النساء العاملات والناشطات عموما. كل هذه العوامل تجعل خروج النساء إلى الشغل هشّا وقابلا للتراجع بهذه الدرجة أو تلك لأنه من الصعب جدّا العودة الآن إلى الوراء لإرجاع كل أو معظم النساء العاملات إلى بيوتهنّ لما سيحدثه ذلك من خلل اقتصادي واجتماعي يصعب على أي نظام، حتى لو كان إسلاميا، تحمّله. وهذا الوضع الهشّ لشغل النساء يخدم بطبيعة الحال مصالح رأس المال المحلي والأجنبي المسيطر في بلادنا لأنه يُفسِح له المجال أولا لاستغلال اليد العاملة النسائية استغلالا فاحشا وثانيا للتخلص منهن وطردهن كلما عنّ له ذلك وخاصة في أوقات الأزمات. كما أن هذا الوضع يخدم نظام بن علي الذي لا يرى نفسه مجبرا على توفير الشغل للنساء باعتباره حقا من حقوقهنّ الذي يجب على الدولة الوفاء به.
أما من الجانب السياسي فإن الخطر على حريّة المرأة وحقوقها متأت، ليس من التيارات الرجعيّة التي تدعو إلى التراجع في مكتسباتها فحسب، بل من نظام بن علي ذاته الذي يُضعف تلك المكتسبات ويجعلها قابلة للطعن والمراجعة. فهذا النظام الاستبدادي يستعمل قضيّة المرأة لتلميع صورته، خصوصا في الخارج، والظهور بمظهر النظام "العصري الديمقراطي" الواقف في وجه التيارات الأصولية والذي يستحقّ بالتالي "المساندة" وغضّ الطرف عما يرتكبه من انتهاك منهجي للحريّات والمبادئ الديمقراطيّة. ولكي يتسنى لبن علي توظيف قضيّة المرأة، فهو يسعى إلى احتكارها ويعتبر نفسه الوحيد المخوّل له الخوض فيها وما على الآخرين، داخل الحزب الحاكم أو خارجه، إلا أن يصفقوا له ويهللوا بـ"القرارات الجريئة والرائدة" التي يتخذها، حتى لو كانت شكلية وجزئية وذات طابع ديماغوجي. ومن هذا الموقع فهو لا يتوانى في قمع كل الأصوات الحرّة التي تنتقد أوضاع النساء في تونس وتطالب بإقرار المساواة التامة والفعلية بين الجنسين. كما أنه يمنع الجمعيات النسائية واللجان النسائية التابعة لهيئات مهنية ونقابية من النشاط الحر في صفوف النساء للارتقاء بوعيهن وتنظيمهن وتعبئتهن من أجل حقوقهنّ، و يسدّ أمامها أبواب وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمكتوبة التي لا تتحدّث إلاّ عمّا يقوله ويقرره هو. إنّ هذا الأسلوب في التعاطي مع قضيّة النساء لا يسهم في تطوير وعي المجتمع بحقوقهن وحريتهن بل يغذّي بسهولة ردود الفعل الذكرية، في صفوف فئات من الرجال بما في ذلك في الأوساط العمالية والشعبية، بل إن مثل ردود الأفعال هذه المعادية ظهرت وتظهر حتى في صفوف النساء المتأثرات بالأفكار الرجعيّة والواقعات تحت هيمنة التقاليد والعادات البالية.. إن أي خطوة جدّية تتخذ في نطاق السعي إلى تحقيق المساواة بين الجنسين ينبغي أن تكون محل نقاش عام وحر داخل المجتمع بمختلف مؤسساته وهيئاته وتنظيماته الحزبية والنقابية والنسائية والشبابية والثقافية بهدف شرح أبعاده وإقناع الناس به وخلق رأي عام حوله وترسيخه في الأذهان وتحويله شيئا فشيئا إلى جزء من الوعي والثقافة الاجتماعيين، ومن المنظومة التشريعية للبلاد بل إلى جزء من "الطبيعة الإنسانية" للتونسيات والتونسيين.
أما أن يتخذ هذا الإجراء أو ذاك بشكل فوقي، بيروقراطي لأغراض دعائية فإنه لا ينـْفـُذ إلى وعي الناس وعقولهم بل يبقى سطحياًّ، قابلا للتراجع خصوصا حين يكون المناخ الإيديولوجي والاجتماعي العام غير ملائم. ولكن لا ينبغي أن يُفهم من هذا الكلام أن الإجراءات التي يتخذها نظام بن علي تتجاوز وعي التونسيين أوهم غير مستعدّين لتقبلها. طبعا لا. نحن نعتقد جازم الاعتقاد أن غالبية الشعب التونسي لا تعادي المساواة بين الجنسين وهي مستعدّة لتقبلها واستيعابها والاقتناع بها. لكن المشكل يتمثل في النظام الاقتصادي الاجتماعي الرأسمالي التابع والمتخلّف الذي يشوّه قضيّة تحرير النساء بإضفائه على هذا التحرير صبغة "سلعية/تجارية" أي تحرير المرأة كقوة عمل لتستغلها وتحرير جسمها كبضاعة لتباع وتشترى في "سوق اللّذة"، كما يتمثّل في طبيعة النظام الاستبدادية التي تجعله يقمع حريّة الرأي والتعبير ويوظّف قضيّة المرأة لتلميع صورته وفي طبيعته الاجتماعية المتخلفة التي تثقل كاهل النساء بالعمل المنزلي وتربية الأطفال ولا توفر لهن الخدمات الضرورية.
وأخيرا وفي ما يتعلّق بالجانب الإيديولوجي والثقافي فإن الأفكار التي ينشرها النظام القائم عبر البرامج الدراسية ووسائل الإعلام والمؤسسات الدينية والكتب والمنتجات الفنيّّة والثقافية لا تخدم في معظمها قضيّة تحرر النساء، بل تشوّهها وتعاديها. فصورة المرأة الضعيفة، الماكرة، الشيطانة، المغوية، بليدة الذهن، والأم الراعية للبيت والأطفال وفقا للتوزيع التقليدي للأدوار داخل العائلة، هي التي ما تزال مهيمنة في الكتب المدرسية والمنتجات الثقافية والغناء ووسائل الإعلام. ولا يتوانى نظام بن علي في توظيف الدين لتبرير رفضه بعض المطالب التي يرفعها النساء مثل الإدارة المشتركة للعائلة التي شرّعها مثلا النظام المغربي في آخر تحوير لـ"المدونة" وهو نظام يعتبر فيه الملك نفسه "أمير المؤمنين"، والمساواة في الإرث التي نادى بها مصلحون من أمثال الطاهر الحداد (1899-1935)، خرّيج الزيتونة والذي لا يمكن أن يتّهم بـ"الإلحاد" ومعاداة الإسلام. كما يستعمل نظام بن علي المساجد والجوامع لإطلاق حملات تشهير وتشويه ضد النساء الديمقراطيات والتقدميات المطالبات بالمساواة، وتقديمهن في صورة النساء "المعاديات للإسلام" لطمس مشروعية مطالبهن.
ويلقى هذا الخطاب الرجعي المعادي لحرية النساء وحقوقهن سندا له في المادة الدينية والثقافية والسياسية التي تبثها الفضائيات العربية الممولة من أثرياء سعوديين وخليجيين حريصين على توظيف الدين لإبقاء المجتمعات العربية متخلفة لاستدامة سيطرتهم عليها، علما وأن أصحاب هذه الفضائيات التي تبث مثل تلك المادة الرجعية المتخلفة، هم الذين يبيعون أوطانهم للامبريالية الأمريكية لتنهب خيراتها وثرواتها النفطية ويهدرون كرامة شعوبهم ويمسخون ذاتيتها وهويتها. كما أنهم هم الذين يمولون فضائيات تشجع الميوعة والابتذال وتمجّد صورة المرأة البضاعة.
وخلاصة القول إن نظام بن علي يمثل خطرا حقيقيا على مكتسبات النساء في تونس وهو ليس مؤهلا لصيانتها فما بالك بدعمها وتطويرها وتحرير النساء التونسيات من الميز والاضطهاد. فهو بسياسته الاقتصادية والاجتماعية وباستبداده السياسي وبخطابه الثقافي المتخلف وتشريعاته التمييزية يضعفها ويخلق الأرضية المناسبة لوضعها محل سؤال من قبل التيارات السلفية الموغلة في الرجعية التي تعتقد أن الرجوع بالنساء إلى الوراء هو الذي سيخلصهن اليوم من شرور النظام الرأسمالي لذلك لا يمكن البتة للنساء ولأنصار تحررهن من الرجال أن يناموا ملء جفونهم ويذهب في اعتقادهم أن ما حققه النساء من مكتسبات لا رجعة فيه. إن إلغاء تعدد الزوجات، وإقرار حق المرأة في الطلاق والولاية المشروطة على الأطفال والتبني والاختلاط في المدرسة وأماكن العمل والفضاءات العمومية، وتولي النساء خطة القضاء والمشاركة في الحياة العامة، إن لم تكن مهددة جميعها بمراجعة كلية، فعلى الأقل جزئيا. وهو ما يدعو إلى ضرورة توسيع النضال وتجذيره من أجل المساواة الفعلية والتامة التي تقتضي نضالا لا هوادة فيه ضد نظام الاستبداد.
وتابعونا في العدد القادم
نبض الحياة- تابعنا :
أحترام قوانين المنتدى :
الهوايــــــــــات : أتطلع بكل ماهو جديد
بشتغل في : في مجال الهندسة الميكانيكية
أعيش في : الســـــــــــــــــــــــودان - بورتســـــــــــــــــودان
العمل/الترفيه : مهندس
الابراج :
الأبراج الصينية :
عدد المساهمات : 294
نقاط : 65373
تاريخ التسجيل : 26/08/2010
الموقع : مهندسين الدبلوم التقني
العمر : 37
بطاقة الشخصية
رمي النرد :
(5/5) - 0914614568
مـنـتـديــــــــــات الـمهنـــدسيــــــن الـــتـقـنـيـــيـن :: الأقسام الأجتماعية :: منتدى النقاش الهادف
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين سبتمبر 22, 2014 6:54 pm من طرف اسماعيل حامد
» وقفـة مهمــة لحـفـظ الحـديـث والسـنــة
الإثنين مارس 17, 2014 5:05 pm من طرف mohab_sal
» CNC & CAM Programming
الثلاثاء نوفمبر 05, 2013 7:35 am من طرف training_2012
» تحبات عطرات
الخميس أكتوبر 24, 2013 7:37 pm من طرف عثمان جكنون
» الموصلات الكهربائية
الإثنين مايو 27, 2013 4:19 pm من طرف ABDULKARIM
» Introduction about diploma cad cam
الخميس مايو 02, 2013 11:27 am من طرف training_2012
» بحث عن السدود
الأربعاء مايو 01, 2013 4:37 am من طرف نبض الحياة
» اول قناة تعليمية عن برمجة ماكينات cnc
الإثنين أبريل 01, 2013 12:23 pm من طرف training_2012
» رنامج عمل نظام متكامل لمركز خدمة و صيانة السيارات
الإثنين ديسمبر 31, 2012 12:38 am من طرف نبض الحياة